روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | يعنى إيه كلمة...وطن؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > يعنى إيه كلمة...وطن؟


  يعنى إيه كلمة...وطن؟
     عدد مرات المشاهدة: 2646        عدد مرات الإرسال: 0

منذ الأزل والأنسان يبحث عن المأوى والسكن كمطلب أساسى فى حياته، وقد تختلف المسميات سواء بيتا أودارا أومنزلا أوقصرا أوعشة أوخيمة ولكن مضمونها واحد فهى السكينة والراحة والإستقرار ومعناها الاوسع هو الوطن، وهذا ما عبر عنه -ابن الرومى- عندما حاول جاره إجباره على بيع منزله فرفع شكواه لسليمان بن عبدالله فى هذه الابيات قائلا:

ولى وطن آليت ألا أبيعه *** وألا أرى غيرى له الدهرمالكا

فقد ألفته النفس حتى كأنه *** لها جسد ان مات غودرت هالكا

والبيت هومكنون الحب كما شبهه أبو تمام بقوله:

كم من منزل فى الارض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزل

اما سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه فقد وصف الدار بعمل الانسان فى الدنيا وهو من أبلغ المعانى وأسماها فقال:

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التى كان قبل الموت بانيها

فان بناها بخير طاب مسكنه *** وأن بناها بشر خاب بانيها

والبيت له العديد من المقاصد التى تؤكد أهميته فى حياة الأنسان وتأثيره المباشر فى تكوين شخصيته وهويته مما ينعكس على المجتمعات وحضاراتها.

¤ الأم والسكن:

البيت فى مفاهيم التحليل النفسى يعنى الأم وجزء محدد منها وهو الرحم، ويطلق عليه فى اللهجة المصرية -بيت الولْد- وذلك يدل على ان اللهجة العامية المصرية عبقرية، لأنها تغوص فى النفس الإنسانية وتعبر عنها، هذا ما يؤكده الدكتور مكرم شاكر أستاذ علم النفس بكلية الأداب جامعة عين شمس ويضيف ان البيت فى الحضارة المصرية له مدلول أعمق وأشمل أو كما يقول د.أحمد ابو زيد دلالتان حضاريتان إحداهما مدنية والأخرى ثقافية، فالبيت له حضارة مدنية متمثلة فى بنائه وجدرانه وابوابه واثاثه سواء كان حصيرة وبطانية فقط أو أثاثا راقيا كلاسيكيا ومودرن، بمعنى كل الماديات التى يحتويها البيت وتعبر عن مستوى الطبقة التى ينتمى إليها أصحاب البيت، أما عن حضارة البيت الثقافية فترتفع عن كونه مكانا إلى التعامل معه على انه هوية الانسان، فعند وصفه نقول أنه من بيت أصيل وعريق وولد فى أسرة ذت أخلاق حميدة أو نشأ فى بيت كريم.

كما أن البيت هو الأسرة والزوجة والأولاد، والزوج المصرى لايصرح بإسم زوجته أمام العامة ولكن يطلق عليها مسمى البيت، وهنا يظهر المدلول الفيزيقى والمعنوى للبيت، ولقد أكد القرآن الكريم على ان الزوجة هى السكن والمودة وتشبيه البيت بالزوجة يعلى من قيمته التى تتعدى كونه سكنا أو مقرا للإقامة الى الجوانب المعنوية السامية.

ويشير الدكتور مكرم شاكر إلى ان البيت يعنى أيضا الوطن وذلك فى اللغة العربية والأنجليزية -Home- والانسان الضائع -Homeless- هو فاقد البيت والوطن وبالتالى ليس لديه الشعور بالإنتماء وهو سمة المشردين، وفاقد المنزل يعانى من أقسى وأعمق أنواع الحرمان مما ينعكس على مكونات شخصيته وسلوكياته تجاه مجتمعه ووطنه.

والإنتماء للبيت والوطن فكرة عميقة عمق فكرة الإرتباط بالأم وتندرج تحتها كافة المظاهر المادية والمعنوية، فنحن نحتاج الحب والرعاية وفى المقابل نقدم أرواحنا فداء للأم والبيت والوطن وهى مسميات مترادفة لمعنى واحد هوأصل الوجود.

¤ منبت الشخصية الإنسانية:

ويرى الدكتورالسيد حنفى عوض أستاذ علم الإجتماع بجامعة الزقازيق أن البيت ليس جدرانا ولكنه سكينة وإستقرار ووظيفة البيت هى وظيفة الحياة التى تبنى من خلالها الاسرة -زوج وزوجة وأولاد- ومن خلال السكن والإستقرار تكون البداية لحياة سوية تبدأ بحياة أسرية وثم إلى نسق الحياة المجتمعية ككل، لذا فأن إستقرار البيت هو إستقرار عام للمجتمع.

فهوالخلية الأولى التى تتحرك فيها الحياة كما تتحرك فى جسد الأنسان ليبقى على حياته، وفيه منظومة غير مرئية ولكن المرئى منها هو المنتج القيمى والأخلاقى والمعرفى، واذا تكلمنا عن المضمون القيمى الداخلى فهو الارث الثقافى الممتد عبر الأجيال لتاريخ هذا البيت أو الأسرة من حيث اللغة والتربية والعادات والتقاليد وكلها تشكل إرثا ثقافيا منبته البيت ومخرجاته تظهر فى البيئة المحيطة سواء المدرسة أو الشارع أو المجتمع ككل فهذا هو نبت الخلية الأولى الساكنة فى البيت، ونزيد على ذلك أن الحضارات الإنسانية وثقافة الشعوب خرجت من خلية البيت.

كما إننا نضفى على البيت صفة القدسية والحرمة فنطلق على الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، ولكل بيت رمزية وقد أمرنا الله تعالى بأحترام حرمة البيوت ولاندخلها دون إذن من أصحابها، وكما أن للعلاقات الأسرية خصوصيتها فهناك خصوصية بين البيت وساكنيه تحيط بهم وتغلفها جدرانه، فكثير من العادات التى نمارسها خارج البيت تختلف عن عاداتنا داخله ومنها على سبيل المثال تناول الطعام والذى يرجع فيه الانسان إلى أصله الثقافى الذى تربى عليه فى بيت أهله.

ويضيف الدكتور السيد حنفى عوض: أن التنشئة والتربية تتم فى البيت والولاء والمواطنة نتعلمها فى المدرسة فكلاهما شريكان فى تكوين الشخصية الإنسانية وهما يشكلان الهوية الثقافية واذا فسد البيت والمدرسة يصبحان معولين للهدم والتدمير للمجتمع ككل، أما الولاء للأسرة الصغيرة فيعقبه الولاء للوطن، والبيت سوف يظل دائما عبر العصور هو مصنع التربية والاخلاق والحاضن الأول للشخصية الأنسانية.

الكاتب: فاطمة محمود مهدى.

المصدر: جريدة الأهرام اليومي.